لو تفحصنا عالم السياسة في منطقتنا، لم نجد الكثير من السمات الانسانية التي يمكن ان تصبح مدخلا لافكار و توجهات وتصريحات و اعمال خيرة كما هو المطلوب، سواء لدى الشخصيات و القيادات السياسية او كمباديء اساسية تعتمدها انظمة سياسية ضيقة الافق تحكم هذه البلدان .
العالم يعلم بما جرى للشعب الكوردي في هذه المنطقة و ما تلقى من الضيم و الجرائم الانسانية التي لحقت به، و حتى لم يعلن عن الكثير منها للملأ بل دفنت هذه الاعتداءات و الجرائم مع التقادم في الزمن و الذي لا يجب ان يمحو اثرها، لانها كانت ضد كل الادعاءات الانسانية التي تبجح بها النظام العالمي كثيرا و لم يتفاعل مع ما جرى في العالم بالشكل المطلوب. لا نريد ان نحصي ما حدث و لكن ليس من المعقول ان يعتذر من ساهم في اخبث عملية و هي الضربة الكيميائية لحلبجة سواء بتوفير الاسلحة للنظام البعثي في حينه او من شارك بشكل غير مباشر في العملية او من اصر على اخفاء العملية كي لا يفضح امره، او من منع حتى الاعلان عنها او غيّر مسار ما قد يؤدي الى معاقبة الفاعل . لا بل و حتى بعد السقوط لم تنفذ العقوبة براس الفتنة عن تلك العملية بل لجريمة اخف منها لو قورنت بالضحايا الكيمياوي و ما جرى في حلبجة لما حدث في الدجيل، و كيف كان هول العملية التي غيرت حتى من الواقع الجغرافي و الديموغرافي و الانساني لتكل المنطقة بشكل ملحوظ، و يعلم الجميع ان الاديولوجيا و النفوذ السياسي من هو الذي حددت الاولوية لمعاقبة المجرم .
لحد هذه الساعة لم نسمع عن احد ندمه او خطا نظامه في عدم اتخاذ موقف صارم في حينه من عملية القصف الكيمياوي لتلك المدينة الامنة، و خصوصا الضحايا كانت مدنيين من النساء و الشيوخ و الاطفال، و لم تكن مختلفة عن جرائم اخرى ممثالة لها و قد حظيت بالكثير من الادانة و النقد و حصلت على اعتذارات من لدن الاوساط السياسية في انحاء العالم، و عوض من تاثر بها، و لكن اهالي هذه المدينةاي الحلبجة لا يزالون يعانون من مآسي و اثار تلك العملية الوحشية دون الاهتمام المطلوب بهم من قبل اي احد، لا بل قضى الكثيرون ممن لحق بهم الاذى لقوا حتفهم و هم عانووا طوال هذه المدة الطويلة دون ان يسمعوا من يعتذر منهم .
فهل تختلف هذه الجريمة عما اقترفته ايادي تركيا ضد الارمن او ما اقدمت عليه النازية ضد اليهود في عملية هولوكوست المشهورة و التي لا توجد دولة لم تعلم بما جرى فيها، ولو قورنت بما اهتم بها العالم مع ما حصلت في الحلبجة لا يمكن ان نصدق بان الضمير العالمي يمكن ان تكون صحوا بل تتحرك و تجيش لعدد الضحايا و ليس لنوعية العمليةلاو وفق مبررات سياسية فقط . نعم لا يمكن ان لا نتكلم عن هاتين العمليتين وفق ضخامتها ما حدث فيها و لكن اليس من الحق ان تكون النظرة الى الجرائم و التعامل معها باعين متساوية الرؤية و بعيدة عن الاهداف السياسية و ما يمكن ان يدفن تحت التوجهات وا لمواقف ازاءها .
اننا شعب لا نملك دولة مستقلة مطلوبة للعمل على هذا الشان في بيان حقيقة الامر كما هو، و ان كانت الدولة التي تتبع لها كوردستان الجنوبية لحد اليوم لم تنبس ببنت شفة ازاء هذه القضية و لم تعتذررسميا و ما يفرض ان تفعله جراء ذلك، رغم تغيير النظام فيها، فكيف لنا ان نعاتب و نلوم الاخرين .
فلندع الاخرين و شانهم و يمكن ان يلقوا حجة او فكرا او مصلحة لما يسيرون عليه و لم يتصرفوا كما تفرضه الانسانية من قراءة الحدث و ما وقع، الا اننا بانفسنا و قياداتنا و السلطة التي هي شبه مستقلةفي كوردستان الجنوبية، على الرغم من ما يكتنف حالها من الغموض القانوني، او مايمكن ان نصل اليه في ظل عدم الاستقرار و نحن على ارضية هشة، و من له السلطة و السطوة غير ملمة بمثل هذه الامور الاساسية و هو تحت تاثير المصالح الضيقة المختلفة و ما يفرض عليه خارجيا او وفق المعادلات العديدة التي تحيط به داخليا او اقليميا او عالميا .
نعم العتب على السلطة الكوردستانية التي لم تُتعب حالها لما هو المفروض ان تعمله نتيجة الظروف الموضوعية و الذاتية التي تحيط بها او نتيجة عدم الادراك بما هو الواجب عليها في هذا الشان، و الاكثر حيرة هو عدم الوافق السياسي حول اكثر القضايا الكوردستانية الحساسة من قبل القوى الموجودة و التي دعى وضعهم المزري اصلا الى نسيان مثل هذه الامور التي هي اساسا تفرض ان تكون فوق كل الاعتبارات السياسية الاخرى .
اضافة الى ان المدينة كانت مسرحا للاحداث و موقعا مستغلا من الاسلام السياسي، و علاوة على ما تاثرت بالضربة الكيمياوية فانها تغيرت اكثر بالحروب الداخلية و تدخلات الاخرين فيها مما جعلها ميدانا عسكريا لمدة طويلة، و على العكس من المطلوب فانها اهملت و اصابها النسيان من قبل السلطة الكوردستانية قبل الاخرين، اضافة الى عدم وجود برنامج او تخطيط سياسي لبيان الامر بشكل مفيد للقوى الملمة بهذه الامور من قبل السلطة الكوردستانية للالمام و الاهتمام بها في مشوار خدمتها او ازالة اثار ما حصل لها .
لم يعلم احد حقيقة ما حدث لحد اليوم بشكل موثوق و نهائي، خصوصا انها حدثت في حالة حرب و فوضى مسيطرة و مصالح في حينه اجبرت من كان العليم بما حدث يتوارى او لم يلتفت الى ما حدث حفاظا على شعبه او مصلحته الاستراتيجية من جهة، و من جهة اخرى تداخلت امور كثيرة بحيث لا يمكن الجزم بان الامر الناهي و الفاعل الحقيقي و المنفذ و ما يمكن ان نقول بانه خطط لجريمة بسبق الاصرار، او نتيجة تدخلات عديدة من قبل جهات مختلفة في الحرب العراقية الايرانية في تلك المرحلة و ما يمكن ان يبرز التاريخ يوما من هو المفكر و المقرر و المنفذ الحقيقي لهذه العملية، على الرغم من انها نفذت باليات و ايدي السلطة العراقية البعثية، و يمكن الشك اكثر و خصوصا بانه تسرب اخيرا تصريحات للدكتاتور العراقي المخلوع و هو في السجن، بانه لم يامرشخصيا بهذه الجريمة على الرغم من اداعاءات تنفيذها من قبل القوات العراقية .
اننا هنا لسنا بصدد هذه القضية بقدر ما نحن نريد ان نبين مدى ترسيخ ثقافة الاعتذار للسياسين الشرقيين، و لا يمكن ان نجانب الحقيقة في ان الشعب و الواقع الثقافي و الاجتماعي و الوعي العام ليس بمستوى يمكن ان تكون ثقافة الاعتذار موجودة فيه ولو بنسبة معينة، و القيادات و السلطة الموجودة وليدة هذه الظروف وا لواقع الموجود .
لماذا يجب ان نذهب بعيدا، اننا يمكن ان نقيّم الواقع الكوردستاني في ظل السلطة الذاتية . فان الحروب الداخلية الطاحنة و ما تسببوه من الاضرار بالانفس و القضية و الاهداف السامية التي ضحى من اجلها الشباب بدمائهم، و كأنه لم يحدث شيء في عقلية القادة المتسلطين، بل لم نسمع يوما اعتذارا عن الندم جراء كل تلك الاخطاء و حتى وصلت الى الاتكاء على العدو و استقدام جيشه في التحارب الداخلي و لا يمكن ان نصفه الا خيانة بعينها . و لحد اليوم لم نسمع عن ليس اعتذار و انما الندم من اي طرف داخلي او عراقي او اقليمي حول ما فعلته ايديهم و ما اثروا على مصير الشعب، و عليه لا يمكن ان نعاتب الاخرين في هذا الامر .
انا اتكلم عن القيادة الكوردية، فانهم تربوا في اجواء و ثقافة عائلية و شعبية بعيدة عن هذه الشيمة الطيبة والفضيلة و هي الاعتذار عن الخطا، و لم ينظر الا القليلون الى الاعتذار كفضيلة بل يعدونه تنازلا و انقصا في المكانة، بل لا يمكنهم ان يخطئوا و هم معصومون .
من المؤكد بان الساسة الكورد لازالوا يحملون العقلية التي تهمه مصالح الحلقة الصغيرة بدلا من الكيان، و لم يتوصلوا الى مستوى ان يتحلوا بروح ما تريده الدولة العصرية من العقلية التي تضمن ثقافة الاعتذار عن الخطا مهما كانت درجته . نحن نعيش في مرحلة تغيب فيها العقلية المقتدرة ليمكنها ان تعبر عن الواقع المزري بما يتطلبه العصر بل نجد من يتسلط هو المسبب الاول و الاخير في الوضع المشين و الازمات الخانقة التي يعيشه الشعب المغدور . لا بل يعتبرون انفسهم مهندسين للحكم الرشيد! الذي اغرقوا بموجبه الناس في وحل الازمات السياسية و الاقتصادية، لا بل يمكن ان يطلبوا هم من الشعب الاعتذار لهم . و انهم لم يعلموا بان هناك غياب لكوردستان كدولة في تفكيرهم و سلوكهم و يدعون العكس و هم كل ما يملئون به عقولهم هو الانتماء الضيق و بعقلية متخلفة جاهلة بما يهم الانسانية، و بها لا يقتربون من ثقافة الاعتذار من قريب او بعيد .
لذا يجب ان لا نلوم الاخر البعيد او القريب عن عدم وفاءه بما وعد به من قبل و لم ينفذه بعد، و لا يمكن ان نعاتب من كان في السلطة و لم يعترف بما اقترفته ايديه و لم يعتذر، و لا يمكن ان نعاتب من تراجع من وعده بالكثير و لم يات حتى بالقليل، و لا يمكن حتى ان نصارح من نسي ما كتبه من قبل و تغير فيما بعد عن مواقفه نتيجة مصالحه الخاصة، و لا يمكن ان نطلب من لا يملك ان يعطينا و نحن بانفسنا نملك و نبخل عن شعبنا، و لا يمكن ان نلوم حتى الاخ قبل ان ننظر الى انفسنا و ما هو المفروض علينا عمله . و عليه ان كنا نحن بانفسنا عن ما هو الواجب علينا مهملون، فلا يمكننا ان نذهب بعيدا و نعاتب او نلوم من يمكن ان يعتبر من الحسنة ان يتطرق الى امر كهذا . فان اقترفنا نحن انفسنا اقذر الجرائم بحق انفسنا و لم نعتذر، فكيف يمكن ان ننتظر من غيرنا اكثر من ما مطلوب من انفسنا عما فعلوه حتى تجاهنا او ازاء قضيتنا العادلة . الاعتذار ثقافة لايمكن ان يحملها الا من امن بها و وصل الى الانسانية في الفكر و العقلية و السلوك، و نحن جميعا لا نملكه ولو بنسبة معينة .