لحد هذه الساعة، لم نجد تغييرا بيّنا في سلوك و توجهات ترامب بين ما كان عليه ابان ترويجات الانتاخبات الرئاسية و ما بعدها . لا بل ازداد تطرفا و نفذ ما وعد به و اكثر مما قال حرفيا . السؤال الذي يمكن ان نجد الجواب له بعد مدة هو، هل يستمر هذا الرئيس الفريد من نوعه و المغامر للولايات المتحدة على نهجه للنهاية ام المؤسسات الامريكية الديموقراطية تعرقل طموحاته الشخصية التي تشابه الى حد كبير بوتين و اردوغان بزيادة او مبالغة من جانب وجود هيجان اعلامي و ضجة كبرى لدى ترامب و امريكا شغلت العالم بها طوال هذه المدة . من الاحتمالات في تحليل الوضع القائم في امريكا منذ انتخاب ترامب التي وردت من اكثر المراكز البحثية المرموقة تقول، بان ترامب اما فعلت كل هذه الهيجانات بقراراته تبعا للاستراتيجية التي يتبعها و هو بيان الامر على انه جدي في وعوده و لم يتغير قيد انملة في عقليته و توجهاته حتى بعد انتخابه، و كل من قال بان توحهاته هالة انتخابية و ليس الا كان على الخطا، و هذا ما يدع العالم يصدق ما يقوله و يكون موضع ثقة من جهة و يؤثر كذلك على الوضع الداخلي الامريكي و المؤسسات الحكومية و المدنية في تغيير الامر الواقع و يجبر الجميع على التعامل مع رؤآه و تحركاته من جهة اخرى . او انه يفعل ما سار عليه بعد انتخباه لمدة و من ثم يثبت ما يريد من النظرة العالمية حوله و يعود الى حدود ما يسمحه له الواقع الامريكي و العالمية و يهدا هويدا هويدا و ينفذ بذلك خطوات لتحقيق اهداف سياسية و تغييرات ربما تحتاجها امريكا و فكرت فيها مراكز القرار جيدا بعدما تراجع موقع امريكا من السياسة العالمية ابان حكم اوباما . اي يمكن ان تكون الخطة التي يسير عليها ترامب مدروسة و منقوشة من قبل العقول و الافكار التي يمكن انها تعمل منذ مدة ليست بقليلة من اجل ذلك، او عجنها مؤسسات الابحاث الغفيرة التي تخرج منها الخطط الاستراتيجية الامريكية، و يمكن ان يقبلها رئيس او يقتنع بهاعلى المضض، و هي المؤسسات التي تحتمل ان نقول بانها مراكز يمكن ان يُعجن و يُخبز او ينفلق رئيس ما من رحمها قبل الانتخابات اصلا، و ربما يكون الرئيس خارج هذا كله و بعد اعتلائه كرسي الرئاسة يمكن ان يتاقلم مع المفروض في سياق الحكم ان كان خارج الساحة السياسية و وصل و حلق عاليا خارج السرب . ترامب اليوم فاجا العالم بانه غرد خارج كل الافتراضات و الاجتهادات و التوقعات عن افعاله مابعد انتخابه . و جسد في عقول متابعيه و حتى المحللين السياسيين الذين بينوا عكس ما توقعوا بانه ينفذ ما يعلن و يريد . هل ينجح و يسير الى النهاية ام يواجهالعراقيل الكثيرة و منها المحاكمة لعدم فسح المجال امام بروز روسيا و الصين اكثر من حدودهم، وهذا ما يمكن ان يتضح فيما بعد .
لو اردنا ان نبين نظرة ترامب الى اية قضية عالمية لابد ان ننتظر ما يحل به او بمواقفه و توجهاته و نظرته و تعامله او تفاعله مع اية قضية على انفراد او التداخل التي يمكن ان يكون بين قضايا عديدة، يمكن ان يتعامل معها كرزمة واحدة بعيدا عن التفصيلات التي لا يمكن ان يتدخل فيها لكونه كما اعلن اولويته هي الوضع الداخلي وسيستخدم السياسية الخارجية من اجل السير في الطريق السليم للسياسة الداخلية التي رفض كليا ما كانت عليه امريكا قبله و بشكل علني .
ان تعامل ترامب و حلقته الضيقة التي تطابق سلوكهم و توجهاتهم رئيسهم بشكل مطلق و ربما اشد، اعلنوا بانهم يتعاملون بالمثل مع الاخرين، و ستكون سياسة ترامب حول الشرق الاوسط من زاوية مغايرة تماما لما نظر و تعامل و سار عليه اوباما، و ان الحدة و التشدد سيكون مع الاعداء التقليديين و الخضوع لاصحاب الاقتصاد و الاموال من الاصدقاء التقليديين ايضا على اقرب توقع من ما يمكن تنفيذه في الشرق الاوسط على الاقل .
اي، اننا نعتقد ان قرانا شخصية ترامب بشكل دقيق سنتاكد بان سلوكه سيكون نابعا من عقليته البرجوازية الراسمالية الصرفة الخالية من الانسانية التي تدعيها امريكا ليلا و نهارا، و كل ما يهمه هو المال و الربح الزائد كما تربى عليه .
اما تعامله مع القضية الكوردية سيكون وفق ما تمليه عليه العوامل المساعدة و الثانوية المرافقة للمعادلات الرئيسية التي يتبعها و لن يكون الكورد عنصرا مؤثرا جدا في المعادلة كما كان لحد اليوم نتيجة تراجع الكورد بنافسهم نتيجة ما هم عليه منجهة او تغيير المعادلات المؤثرة علىقضيتهم من جهة اخرى، اي انه سيقرا الكورد من خلال مسار تعامله مع المنطقة بشكل عام و كعنصر في خطط تعامله مع روسيا و ايران و سوريا بشكل خاص . كما توضح قليلا انه لن يتعامل مع المعارضة السورية المتمثلة بالجيش الحر و الائتلاف و انما يهتم بشكل و اخر بتقوية قدرات القوات السورية اليموقراطية، و ربما لهدف وحيد بداية و هو تحرير الرقة . و عليه يمكن ان يفرض الكورد نفسهم على السياسة الامريكية بوجودهم على الارض و دورهم الفعال المحوري الهام في اي تحركات تهم امريكا . هذا في كوردستان الغربية، اما الكورد بشكل عام يمكن ان يختفي بريقهم بداية لما هم فيه من عدم التوافق و انعدام اية ورقة رابحة بايديهم في الاجزاء الثلاث الاخرى، و عليه يمكن ان لا نتصور تعامل امريكا معهم وفق التوجهات التي نفذتها على الارض منذ مدة و فيعهد اوباما و سيؤثر ما يحدو الواقع المتغير بعد تحرير الموصل و تراجع اهمية عامل الكورد في محاربة داعش في العراق .
سيكون مصير الكورد ما بين التوجه الامريكي الابيض و الاسود، فربما ينتقلوا بقفزة كبيرة نحو الامام نتيجة ما يفرضه مسار المعادلات التي تتعامل معها امريكا و روسيا، او وفق المخططات السياسية الكبرى المركونة على رفوف القوى الكبرى . و عليه، لا يمكن لاي كان ان يتصور بشكل جلي ما يفعله ترامب ازاء الكورد بين كل القضايا الشائكة التي تكون على طاولته للسياسة الخارجية لبلده . و انما يمكننا القول بان الوضع الداخلي و فرض الامر الواقع في كوردستان الجنوبية ربما يكون من العوامل المساعدة لما تفكر به امريكا في المنطقة بشرط توحيد الرؤى و الاهداف و التوجهات الداخلية الكوردية، كي تتعامل معهم بقول و فعل واحد و بعملية واحدة غير منقسمة على الرؤى المختلفة . و عليه، لا يمكن ان يكون هناك الخيار الوسط امام الكورد ايضا، نتيجة افرزات المعادلات التي تتعامل معها امريكا و روسيا في المنطقة من جهة، و التغييرات المتوقعة لخريطة المنطقة بفعل مصالح الدول العالمية و الاقليمية المؤثرة على ما يحدث في المرحلة المقبلة من جهة اخرى .