هنا نقتصر كلامنا فقط من الناحية الفلسفية و نبتعد عن السياسة لكي نتكلم اكثر في حقيقة الاحزاب السياسية و افعالهم و توجهاتهم و تاثيراتهم السلبية (سواء قاصدين بها ام لا) في عقول الناس بمجرد اندفاعهم القوي و سيرهم على ضمان المصالح الحزبية او الشخصية وخوضهم الصراع القائم على التنافس غير المشروط و لا المحدود او من اجل النيل من الاخر و تحقيق اهداف مختلفة، سياسية كانت ام اجتماعية او اقتصادية بحتة ايضا .
على الرغم من ان الاسلام السياسي و التحزب المسيطر على عقول كافة المنتمين لهم يكون بعيدا عن البحث و الانشغال بكشف الحقائق الفكرية و الفلسفية عن انتمائهم و وجودهم في صفوف الجهات الاسلامية السياسية كانت ام مجموعات متفرقة تسمي نفسها بشتى الاسماء او من هم على انفراد، غير ان بعضهم او في اكثر الاحيان التابعين لهم مِن مَن يسمون انفسهم بالداعية و لهم الحرية التامة في الخوض في اعقد المواضيع الفلسفية الحياتية و يملؤن عقول الفئة الساذجة بما لديهم من المعلومات البسيطة التي حفظوها عن ظهر من الكتب الللاهوتية و الخزعبلات التي طرحها من كان مشغولا او متشربا او اقتات بشوائب من انشغلوا في الفلسفة و حتى هوماشها، و من بينهم الذي عاصروا المرحلة الاسلامية المزدهرة، و ليس علمائهم الحقيقيين العلميين الذين لم ينكروا امورا لا يمكن ان يوضحها الدين بعيدا عن الفلسفة، وهؤلاء يؤثرون سلبا على حتى ممن غرر بهم البعض او فرضت عليهم صعوبات الحياة السير بعكس ما يعقله الانسان، او بسبب عدم توفر الوسائل العلمية و عدم اتاحة الفرص امامهم في الخوض في امور الحياة الحقيقية الصحيحة، واستغلت احزاب الاسلام السياسي و التابعين لهم هذه الظروف لخداعهم عقلانيا و ابعادهم عن الطريق الفلسفي الصحيح و ان كانوا احيانا من النخبة الاجتماعية التي تحز النفس على حالهم و عقليتهم و تفكيرهم .
اننا و عند متابعتنا لهؤلاء الذي اعتبرهم النخبة او الصفوة التي يهمني اكثر ان يعتبروا للتاريخ و ما كشف فيه و ماجرى من الحاق الاذى بمن افنى حياته وراء كشف الحقائق و منعته الافكار و السلطات الدينية من نشر ما كشفه او آمن به منذ العهود الغابرة . و يمكن تقسيم هؤلاء الباحثين الى مجموعات ثلاث يمكن ان يتابعوا ما في الحياة عن طريق الفلسفة و بتوجهات و تعليمات و معلومات و ما تحويه الفلسفات الدينية الثلاث ( على الرغم من انهم على يقين بوجود الله الخالق و مستندين عليه في مسيرتهم الفكرية و الحياتية ) و لكن اخطرهم هو النوع الاول الذي غرر بهم و اغلق عليهم باب البحث و دفعوا الى قفل ابواب عقولهم و منع اي سؤال او شك او فكرة ولو خاطرة تخطر على بالهم و تمر في عقولهم، معتقدين بانهم اوجدوا الحقيقة و لا يمكن الخوض في امور تبعدهم عنها، و هؤلاء اخطرهم و يمكن ان يعتمد عليهم الاسلام السياسي و المجموعات الارهابية في تنفيذ اهدافهم و تحقيق مرامهم الدنيوي قبل الديني ايضا .
هنا اذكر الانواع الثلاث من الناحية الفلسفية البحتة، و الباب الذي ادخله هو النظر او التفكير في الخلق و الوجود و هو اساس العقل و الفكر و التعامل مع الحياة و ما فيها، اي اوضح فلسفة المجموعات الانسانية الثلاث و نظرتهم لاساس الحياة و ماهيته و الخلق من قبل المؤمنين، بعيدا عن الكلام عن الملحدين الذين يضرون ربما اكثر في هذه المنطقة، و دون الخوض في السياسة او الحياة الاجتماعية لهم اختصارا للكلام :
1-الايمان المطلق بان الكون خُلق من العدم التام المطلق بيد الخالق الواحد الاحد و لم يكن هناك الا الله و لا شيء غيره قبل خلقه لما اراد، اي لم تكن هناك حتى الملائكة و الشياطين و لا افلاك و لا ماهو داخل هذه الافلاك السماوية، ثم خلق كل هذه الاشياء كما هي بارادته الحرة و ليس من شيء اخر وحتى يعتبر الزمان نفسه جزء من هذه الاشياء المخلوقة بما انه يصاحب الحركة و هو عرض للشيء المتحرك، و لا يمكن التساؤل عن هذه الشيء الخالق و ليس كمثله اللاشيء او ليس كمثله شيء او راي او موقف خارج عن اي كلام عن كينونته العقلانية و الفكرية و الخلقية و الامكانية، و انه ليس له مكان او زمان على الرغم من ان المعروف عنه انه وما يخص به ازلي اما الخلق و وقت العالم الذي يسمى الزمان فهو بداية مع خلقه للكون و ما فيه او مع بداية خلق الكون . و الاهم ان نقول انهم لا يمكن ان يقولوا بان الله ( كان ؟) قبل خلقه للعالم، و هذا الفعل يشير الى الزمان بينما الله كان موجودا منذ الازل بينما يستخدم هذا الفعل و التعبير لا للاشارة الى حقيقة الزمان و انما لتصور الزمان و لتخيله . مختصرا الكلام في جملة، ان العالم حدث من قبل من اسسها دون التساؤل عما قبلها . هذا هو ديدن المجموعة الاولى التي يمكن ان نقول انهم اخطرهم على انفسهم و الناس ايضا، و يستغلهم الاسلام السياسي لامور شتى و منها عمليات الارهاب، بعد تزويدهم بخلط من ملذات الحياة و دفعهم الى مصيرهم لاغراض سياسية بدوافع فلسفية بحتة يغسلون بها ادمغتهم الخاوية اصلا .
2- اما المجموعة الاخرى، فانها اكثر عقلانية و لكنهم يؤمنون بخلق الكون من قبل الله، وانما هم لا يتصورن بانه خلق شيئا او هذا الكون من العدم، كما انه وفقا لهم لا يمكن ان يتحول هذا ايضا الى عدم مطلق . و الراي عندهم كما هو ما فكر به افلاطون و اعتمده الى حد بعيد جدا و هو، ان المادة قديمة و الصور محدثة اي احدثها الله بما لا يمكن البحث فيه و بقدرته . اي على الرغم من ايمانهم بازلية و ابدية المادة الا انهم يقولون ايضا بخلق العالم و حدوثه بمعنى حدوث الصور . و يعتقد ابن ميمون ان اصحاب هذا الراي يذهبون الى ان المادة ليست في نفس مرتبة الله من حيث الوجود بل هو سبب وجودها . اي ان المادة هنا لانسبة لله كالمادة للمثال فهو يخلق منها ما يشاء و يعد افلاطون على راس القائلين بهذا الراي . و هؤلاء يمكن ان يكونوا من ما نعرفهم بالطبقة او الشريحة الوسطى المثقفة غير الملمة بالحياة و ما فيها الا ظاهرها و يمكن ان يعيشوا سواء ضمن عالم المسيحية او اليهودية او الاسلام و في مقدمتهم الاسلام السياسي او خارجه و ان لم يعلموا بمرتبتهم في تفكيرهم الفلسفي بانفسهم، و يصعب على الاسلام السياسي اقناع هؤلاء في الاعمال الارهابية و يصعب ايضا غسل ادمغتهم بالشكل الذي يمكن ان يفجروا انفسهم كما هي الفئة الاولى، كما سبق الاشارة اليها .
3- اما الفئة الثالثة و هي المؤمنة بانه لا يمكن لشيء مادي ان يخلق بلا مادة موجودة اصلا و السماء الاولى اي الكون عندهم لا تخضع للوجود و العدم . و من بين المدعين لهذا الكثير من الفلاسفة و على راسهم ارسطو و اصحابه و الذين يدعون ان الكون كله وجد منذ الازل و بنفس الصورة التي هو عليها الان، بل سيكون دائما بنفس هذه الصورة، ان العالم قديم، و الزمان و الحركة قديمان كذلك، و ما يولد و يفنى هو الموجود تحت فلك القمر . اي يؤمن هؤلاء بان الخلق قديم و من صنعه هو ايضا قديم قدم الكون و هو ازلي و يبقى كذلك للابد، اي يضم الخلق الموجود منذ وجوده الله ايضا من دون ان يقولوا بانه خلق الكون من عدم، فالقدم يفسر ان الموجود ازلي بما فيه الله و ما بعد ذلك يمكن ان يخضع لتحليلات و توجهات و تفكير مختلف و بحوث اخرى . و هذا ما يمكن ان نجده في عقلية نخبة قليلة جدا من المؤمنين، و اعتقد بان المسلمين لا يمكن ان يعقتدوا بهذا الا من هم من مرتبة الفلاسفة او القريبين من الايمان بمادية الفكر و العقيدة .
و هؤلاء لا يمكن استغلالهم من قبل اي طرف كان، و يمكن القول بانهم المؤمنين وفق العادة ان التزموا بقواعد الدين و التزاماته او مؤمنين بالله وحده دون التفصيلات الدينية التي اوجدتها الاختلافات البشرية و عقليات فردية في اكثرها او ما فرضتها الظروف الاجتماعية و الاقتصادية و الثقافية العامة .
و للاسف اقول هنا انني لا يمكن ان اجد من بين المسلمين ممن يفكر بهذا الحد من العقلانية او ملم بالفلسفة و وصل الى حد التفكير بهذه الواقعية من حيث المنهج و التفكير و الادعاء العلمي للتوجه، الا انني احس بنشوة عند تقييم الناس الملمين بامور الفلسفة قد يصلون الى هذا المستوى من التفكير دون علمهم او دون الترتيب العلمي او التنظيم المنهجي لما يبحثون .
و هنا لا اتكلم على الماديين العلميين او من يخوض في الفلسفة بعيدا عن المثالية و الدين لانهم موضوع اخر لا يسع الاشارة اليه، و موضوعنا اصلا عن المؤمنين من الفئات الثلاث .
انطلاقا من هذه الافكار و الفلسفات الثلاث و ما يمكن ان نجد الاسلام السياسي الذي يستغل الفئة الاولى سلبيا و لهم الحرية في تحويلهم وتحويرهم الى انتحاريين اي الى الة بيدهم في تحقيق مرامهم السياسي باسم الفلسفة الدينية، و قبل ان يدفعوهم لهذا انهم :
1-يمنعون عنهم التفكير السليم، او انهم في عمر لا يمكن ان يصلوا لدرجة التفكير العقلاني في الحياة .
2- انهم يبعدونهم عن معرفة الحقيقة و ما في الحياة قبل نضج عقولهم او ممن لا يمكن ان يصلوا الى تلك المرحلة لكونهم انغصوا في وحل ما يدفعهم الى التراجع او الوقوف في عقلية الفئة الاولى و دون ان يعلموا هم بانفسهم .
3- يفرضوا عليهم الالتزام المطلق باللاهوتية و ينزعوا منهم عقلية الغوص في التفكير بالوجود و يسدوا امامهم الشك و التساؤل و البحث في الكون و ما فيه و في كيفية خلقه .
4- يضعوا عواقب امامهم محاولتهم العبور من العراقيل الفكرية الفلسفية الحياتية ان كان من بينهم من يريد ذلك و يعزلونهم عن اجواء العلم و المعرفة و جوهر الحياة .
5- يفرضوا عليهم الانكفاء و يشغلونهم عن محاولات تطوير الذات العقلية و الاجتماعية و الاقتصادية و من كافة مجالات الحياة الانسانية العقلانية، و يشغلونهم باليوتوبيا و ما وراء الطبيعة و الخوض في امور مر عليها الزمن و كنات من مهام الانسان البحث فيها في العصور الغابرة و بحث فيها و تجاوزها ايضا، و فعلا تجاوزها الانسان بالعلم و المعرفة و التجربة و كشف الحقيقة بالبراهين و الادلة و لازال البعض متمسكا بها وبما كانت فيه العصور القاتمة دون التاثر بما تجاوزها العلم سواء كان عقلانيا او حياتيا معيشيا .
اذا، و ان لم نشر الى الفئات التي هي اصلا خارج الحلقة التي يمكن التاثير عليها سلبا من قبل هؤلاء، الا اننا نرى احيانا تراجعا و ياسا من قبل من خاض في امور الحياة و الكون بعقلانية بداية و لم يقدر عقليا او لوجستيا او امكانية في التواصل، نرى تراجعا لديهم و وصولهم حتى لحد العقلية التخلفية القليلة العدد للفئة الاولى التي بحثنا امرهم من قبل . نحن في نهاية الامر يمكن ان لا نشير الى الفئة المنورة التي تكون في فئة الصفوة الا اننا يمكن ان ننتقدهم كثيرا على خمولهم و عدم توافقهم في تحقيق هدف سامي انساني و هو ابعاد الفئة الاولى عن الفئة المغررة على الرغم من الصعوبات التي تفرضها الظروف الموضوعية و الذاتية على العقول النيرة من النخبة في هذه المرحلة .
و اخيرا لي ان اقول، الحاجة الضرورية تخلق الضرورة التي بدورها تفرض الاحكام التي يضطر من ياِن تحتها ان يسير بالضد من التفكير العقلاني، و هذا ما يفرض الياس او المذلة الحياتية التي تدفع اي فرد في الخوض في امور لا يعقلها بنفسه احيانا .