لاول مرة منذ مدة طويلة و لم نسمع عن التفاوض في حل القضية الكوردية بشكل جذري الا بالامس الذي اعلن فيه مكتب رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بانه سيكون التباحث حول استقلال كوردستان في مقدمة المحاور التي تعرض على طاولة بين بغداد و اربيل قريبا جدا .
لا نريد ان نعود الى تاريخ المفاوضات التي اجريت بين الكورد مع حكومات جمهورية العراق المتعاقبة، الا اننا يمكن ان نستخلص منه الكثير من العبرة التي تجب تكون في اذهاننا و امام اعيننا ونحن نتباحث حول اعقد قضية في الشرق الاوسط و هي القضية الكوردية قبل او بعد القضية الفلسطينية . مع الفارق بان هناك من يدعم الشعب الفلسطيني طول تاريخه و يعلن عن تضامنه معهم، و لهم كلمتهم سواء كانت بشكل مباشر او من خلال من يساندونهم في كافة المحافل الدولية، على العكس من الكورد الذي لم تُسمع اصواتهم طوال تاريخهم منذ الحقاهم قسرا بالدول التي يعيشون فيها عند تاسيسهم او انبثاقهم . المشكلة الكبيرة عند الكورد تكمن في انهم موزعون على اربع دول لهم مواقف و اراء مختلفة و مخالفين مع البعض في كل شؤن المنطقة و ما بينهم الا القضية الكوردية يجمعهم كنقطة مشتركة و بتوجهات مختلفة الى حدما . بحيث اننا ما احسسناه من خلال تاريخنا في العقود المنصرمة، ان اخطرهم و اغدرهم بحقوق الكورد المغلوب على امرهم، هو تركيا و من ثم الدول الاخرى التي لها المصالح في واد اية محاولة للحل في اي جزء من كوردستان .
لنكن منصفين في تقييمنا لكل حكومةعراقية في تعاملها مع هذه القضية في العراق منذ عهد الملكية الى الجمهورية و الى حكم نظام صدام حسين وتعامله مع الكورد بشكل مرن في بداياته و من ثم اوصل الحال الى القصف الكيميائي و اجتياح القرى و مسحها مع الارض في نهايات مراحل سلطته التي لم يتعض في ادارتها من التاريخ بل لم يدر ولو للفتة الى ما خسره من الارض و الماء لايران و من المال و الامكانيات للقضاء على الثورات الكوردية و لم ينجح .
هناك تفاصيل للحكومات و منها تستحق التقييم الايجابي في تعامل بعض الحكومات مع الكورد خلال مراحل متنقلة و مؤقتة من كل تلك الفترات المتعاقبة من الحرب و السلم و التفاوض بين المركز و كوردستان، لا يمكن انكار بعض الايجابيات في تعامل الحكومات بين حين و اخر لو قارناها مع الدول الاخرى و منها تركيا و ايران، سواء من جانب منح الحكم الذاتي مضطرا او من خلال الاعتراف بحق الكورد نظريا و من دون انكار للعرق و الثقافة و الحرية النسبية في بعض النواحي و منها السياسية .
هكذا اذا، لو اردنا ان نعرض من المشاكل الجذرية الرئيسية التي واجهت العراق منذ تاسيسه، هي القضية الكوردية التي لم تحل جذريا و بارادة الجانبين بل فرضت بعض الحلول الناقصة على الشعب الكوردي و بمالم يقتنعوا به، عدا المواجهات التي ادت الى خراب الجانبين، و لم يستفد من الحال الى من كان متربصا بالجانبين معا سواء من اعداء الكورد او اعداء الدولة العراقية ايضا . و تدخلت في هذه القضية الكثير من الجهات الاقليمية كانت ام العالمية و لكل منها مصلحتها الخاصة، بل اُستغلت القضية لمنافع و طموحات لا حصر لها من قبل الاخرين . اي ان توسع الثغرة التي كان بامكان من يريد ان يتسغلها لامور و اهداف عديدة هو من خلال استغلال القضية الكوردية التي بدات مع انبثاق الدولة العراقية و ما خططتها بريطانيا لاهداف و مصالح استراتيجية بعيدة المدى في حينه . وبه يمكننا ان نقول ان المشكلة التي جاءت منذ تاسيس الدولة العراقية و استمرت معها و لم تحل و انما شهدت منحنيات مرتفعة و منخفضة وفق الظروف الموضوعية و الذاتية لما فرضت ضرورات سياسية على الجانبين التعامل وفقهما و ما افرزت من خلالها من السلبيات و حتى الخسائر الكبيرة من شدة تاثيراتها المباشرة على الشعوب العراقية و هو ما افرزته القضية الكوردية .
اليوم، و منذ سقوط النظام البعثي و لاول مرة نسمع عن طرح التفاوض حول القضية الكوردية بين اقليم كوردستان و بغداد بل نسمع عن النقطة الرئيسية و هي استقلال كوردستان لاول مرة من قبل مركز احدى الدول التي الحق الكورد بها و انني اعتبره جراة سياسية بدرت من قبل السيد العبادي ان كان نابعا من ايمانه و قناعته بحل القضية الكوردية كاستراتيجية لديه و لم يكن الكلام تكتيكا لامور سياسية مرحلية كما فعلت الحكومات السابقة من قبله و خسروا هم قبل الكورد في هذا الشان . و هذا ايضا يدفعنا ان نتامل و نفكر من عدة جوانب و منظور متابع لتاريخ القضية الكوردية حول ما طرحه العبادي من ان قضية استقلال اقليم كوردستان في مقدمة ما تبحث مع الوفد الكوردي القادم الى بغداد في الاسبوع المقبل، و نقول في هذا الشان :
1-بمجرد طرح هذا الموضوع، يمكن ان نعتبره جراة سياسية و توجه صحيح لحل اعقد قضية لما يتعلق بها من امور داخلية و خارجية و مواقف مختلفة من دول الاقليم و تفرز منه قضايا جانبية و تداعيات متعددة وفق مصالح دول المنطقة و حتى العالم ايضا .
2- ان كانت النيات سليمة و معتبرة من التاريخ و بعقلية تقدمية ديموقراطية مسلّمة لحقوق الاخر و مؤمنة بحق الشعوب في تحقيق مصيرها و بايمان راسخ فكريا و سياسيا، يمكن ان نعتمد عليها، و على الكورد ان يخطو خطوتين قبل المركز لتثبيت اركانها و الوصول الى حل شامل كامل لها، لتكون الحلول سابقة للاجزاء الاخرى و ان يتمتع الشعبين العربي و الكوردي بسلام دائم و تعايش وان لا يكونوا نموذجا و قدوة لمثل هذه الحلول لمثل هذه القضايا الشائكة في المنطقة فسحب بل ليعلموا العالم درسا جميلا في هذه الامور ايضا .
3- ان طرح مفهوم استقلال كوردستان من قبل اعلى سلطة في العراق هو بذاته سابقة يمكن ان تكون منفذا للسلم و الامان ان اصطفت الاطراف و تعاونوا على البر بعيدا عن مستوجبات المصالح التي تفرض في اكثر الاحيان العكس من ما يهم الشعوب .
4- سيسجل السيد حيدر العبادي لنفسه تاريخا ساطعا و مثبتا للجميع من حمله الفكر و الايمان بالقضية العادلة و سيكون مثالا يحتذى به طوال التاريخ لكونه اول سلطة مركزية بدات تضع الاصبع على المكان الصحيح و الحل الجذري الذي يستفاد منه جميع الاطراف و ليس الكورد لوحدهم .
5- لابد ان نقول بان تفاصيل ما يمكن ان يبدءوا به يمكن ان تحمل الشياطين الكبيرة في ثناياها، و لكن لو كانت العقول تقدمية معتدلة ديموقرطاية مؤمنة بالسلم والامان و بعيدة عن الايديولوجيا و العقائد المعيقة للخطوات السلمية فان الامر سيكون سهلا و الهدف ممكن المنال .
6- الاحتساب للوقت و ما يمكن ان يفعله المتربصين و من يريد تحقيق اهدافه من الاخرين و حتى مؤآمراتهم العلنية و السرية، مع العمل على ان تكون هناك يد و راي و حضور للقوى العالمية المؤثرة التي يمكنها ان تمنع المصلحيين في المنطقة من اعاقة الخطوات و ازاحة من يمكنه من وضع العراقيل في عجلة التفاوض .
7- اهم شيء ان لا تكون الخطوة مرحلية او مجرد ترويجات انتخابية من الجانبين اي من القوى المتنفذة من اقليم و المركز، و يجب ان لا يفسحوا مجالا للاخرين الداخليين من القوى المرتبطة بالقوى الاقليمية من كل التوجهات و المشارب و من دول الاقليم ذاتها ايضا ان تتدخل في هذا الامر باي شكل كان .
8- هناك واجبات يجب تنفيذها من قبل كل من الطرفين على انفراد، هناك خطوات تفرض نفسها و يجب على السلطة في كل منهما القيام بها قبل اي شيء اخر او قبل التوجه الى التفاوض . في اقليم كوردستان، اهم الخطوات هي وحدة الصف و السلم و الامان و حل المشاكل الذاتية العالقة مع التعاون و التنسيق الجمعي للقوى المؤثرة و عدم الانفراد في فرض الحلول الناقصة لاسباب حزبية مصلحية ضيقة . وفي بغداد، محاولة مشاركة الجهات المختلفة و بمساندة الراي العام و المرجعيات المؤثرة و عدم فسح اي مجال لاي جهة للتزايد سواء كانت حزبيا او ايديولوجيا او شخصيا على حساب الحل التاريخي، او من اجل منافع حزبية شخصية ضيقة او من اجل حفنة اصوات هنا و هناك، كما هو حال بعض الشخصيات و القوى التي تندفع لمثل هكذا امور، و خاصة نحن ابان انتخابات و حمى الترويجات الانتخابية قد بدات ترتفع في هذه الاوقات و بالاخص في بغداد .
و هنا يمكننا ان نقول يجب ان يكون الجانبان على ثقة بانهم و بارادتهم يتقدمون لحل ما يعرقلهم و يعيقهم من افعال الاخرين من جهة، و ان يتحضروا لاخطر العوائق التي يمكن ان توضع امام مسيرتهم قبل وضعها من اجل ازاحتها باسهل ما يمكن من جهة اخرى، و به يمكن ان يتقدموا و يصلوا لحل تاريخي للقضية و يسجلوا مجدا و تاريخا ناصعا لهم و بالاخص من الجانب العراقي الذي يمكن ان يتفاوض من موقع القوة و لكنه مؤمن بالحق و الديموقراطية و الحرية و التعايش السلمي للشعوب . نحن في مرحلة تحتوي على مجموعة كبيرة من المشاكل و اخطرها هي التي تراكمت بالتقادم ومنها التاريخية العويصة التي مر عليها الزمن و افرزت من الترسبات خلال طول هذه المدة، و هي تحتاج لعقول لتجاوزها .