على العكس من المتشائمين حول نتيجة الاستفتاء الشعب التركي حول تغيير دستور الدولة و ما ورائه، انني يمكن ان اقول بان الايجابيات لما خرج به الاستفتاء ان لم تكن مساوية لسلبياته فانها اكثر منها لعوامل و اسباب كثيرة سواء للشعب التركي بشكل عام او على ما ينعكس على الشعب الكوردي في نهاية الامر .
من الناحية الخارجية لدولة تركيا، يمكن ان نقول بانه سوف يطوف الى السطح نتيجة ما حصل من هذا الجانب وهو ما يمكن ان يضخم في اكثر الاحتمالات من عراقيل ماوراء الاستفتاء و ما تواجهه تركيا بهدوء، و تمنع ملاحتها السياسية و الاقتصادية من الغوص في اعماق البحار المتلاطمة، و ايضا لما يامله اردوغان من الجوانب العديدة سياسيا و اقتصاديا و ثقافيا و تاريخيا، و ما يهمه من تمجيد نفسه قبل اي شيء اخر . و في وقت لاحق، ان ابعدنا كليا ما يكنه اردوغان من التوجهات الخبيثة لما تفرضه نرجسيته و تمنعه الظروف الموضوعية التي تحيط بدولته من مغامرات كثيرة و تعيقه من تحقيق مرامه الشخصي ايضا و تمنعه من تحقيق اهدافه مهما حاول، فانه لن يقطف الثمرة في نهاية الامر بما يتوقع، و وضع تركيا على مطب الموجات الكبيرة . و ان كان هذا هو العامل الخارجي الذي يمنعه من اللعب على الساحة المغايرة لما يبنيها بعد النجاح الخجول في الاستفتاء وما يتجدد في المنطقة من جهة، و ما يبديه الاتحاد الاوربي بشكل خاص من مواقف مختلفة جدا لما ابداه قبل الاستفتاء من جهة اخرى .
اي تعتبر المرحلة مابعد الاستفتاء هي الفاصلة و انعطافة كبيرة في تاريخ تركيا و علاقاتها الخارجية من جوانب عديدة و في مقدمتها ضرب شروط الاتحاد الاوربي لانضمامها اليه عرض الحائط و بشكل قاطع و رسمي، نتيجة لما تكن المواد التي استفتيت عليها من العوامل الدافعة الى الدكتاتورية و الابتعاد عن الحريات العامة و الديموقراطية الحقيقية، و هذا ما يدع تركيا في عالم و واقع اخر غير ما نراه اليوم، و ان تركيا مابعد الاستفتاء ستبني ارضية ربما لم يتوقعها اردوغان و سوف تدفعه بالضرورة الى ان تصبح في حضن الشرق و مائلة اليهم اكثر من الغرب، و هذا لا يلائم مع ما تفكر فيه اوربا بشكل خاص، و حتى ما تنظر اليه امريكا حول موقع تركيا المستقبلي . و من جانب اخر، يعتقد الكثيرون بان هذه المستجدات لن تقع لصالح شعبه من الناحية الاقتصادية على الاقل ان لم تكن من الناحية السياسية ايضا، و في حال ابتعادها عن امريكا و اوربا وهي لم تجد نفسها الا و خلقت لها اي للسلطة التركية ما لا تفكر به من المشاكل و ابعدها من تحقيق هدفها الاهم عندها، و هو الوقوف ضد امال و اهداف الكورد في اجزاء كوردستان الاربعة .
اما من الناحية الداخلية، فان النتيجة سوف تزيد من عوامل الانشقاقات الكثيرة بعدما كانت و استمرت على اسس اثنية و دينية و مذهبية، فانها ستزيد من الناحية الايديولوجية بين بني عرقه و حتى اعضاء حزبه و قياداتهم . ان ما شاهدناه من الاستفتاء في المحافظات و النتائج الجزئية ليست لصالح اروغان بنفسه، لكونها بدت على حال اضعفت قاعدة اردوغان الطبيعية التي كانت تستند عليها من قبل في انتخاباته العديدة، و قد خسر اكبر مسندين له و هي على الاكثر في محافظتي انقرة و اسطنبول، اللتان ساندتا اردوغان في السراء و الضراء من كافة الجوانب و بالاخص السياسية . اي، و ان فاز اردوغان في الاستفتاء الا انه خسر في جزئيات ما يهمه داخليا اكثر من الاستفتاء بذاته . ومن جانب اخر، هذا يشكل له خطرا خلال السنين القليلة القادمة على الاقل لحين وصوله الى الانتخابات الرئاسية، و يمكن ان يفوز اي منافس قوي له في الانتخابات الرئاسية المقبلة، ان تشكلت تحالفات قوية لمنافسه البارز .
اما ما يخص الشعب الكوردي، فان النتيجة تدلنا على انه ربما الريح باتجاه توجه شراع المسيرة، و المنتظر من الربح ان لم يكن مساوية للخسارة فانه اكثر منها بالنسبة للقضية الكوردية و مستقبلهم و ما يمس الشعب الكوردي في المنطقة بشكل عام و في تركيا بالاخص، كيف ؟
ان النتيجة و ان فاز اروغان في رئاسة الدولة المقبلة بالذات، فان البلاد ستتجه نحو الدكتاتورية اكثر مما هي عليها اليوم، لما يفتح الدستور المعدل يدي اردوغان ليخطوا نحو تضيق كافة الحريات و تضع العراقيل امام الديموقراطية، و عليه تضيق الاوضاع و لا يمكن ان تنتهي التضيقات الا بالفرج كما هو حال و ما يفرضه الواقع و كل بديهية لما يفيدنا به التاريخ، و كما شاهدنا العراق و بلدان الربيع العربي من هذه الناحية . و هذا يدعنا ان نعتقد بان احتمال التغييرات الكبيرة المتعددة الجوانب في تركيا الدكتاتورية اكبر و اوسع من البلدان الاخرى في المنطقة . اي كلما ازدادت منحنيات السلطة الدكتاتورية الدموية القمعية المتسلطة سيكون احتمال التغييرات الجذرية في بلد الدكتاتور اكثر قربا و نسبة لغيرها . و هذا يمكن ان يفيد الاستراتيجية الكوردية من تحقيق اهدافه و مصيره النهائي .
هذا من جانب، اما من جانب اخر فان التغيير لم يُبقي على الهيبة المعنوية لدولة اتاتورك العلمانية المدعية للديموقراطية و الحرية من نواحي عديدة، و هذا يؤثر على الوحدة القومية التركية بشكل و اخر، و من جانب ثالث فان طموحات اردوغان في اعادة العصر العثماني لما يفيده شخصيا، فانه يمكن ان يعيد به العمل بسلطة الولايات التي تشبه من حيث المضمون الفدرالية الادارية التي تدفع المكونات و بالاخص الكورد من حيث وحدة جغرافيتهم و ديمغرافيتهم من الناحية الادارية، و ان يتقدم خطوات وفق متطلبات العصر، و يمكن الكورد ان يتعامل مع ما يمكن ان يستجد كفدرالية، و بالاخص لو زادت التغييرات المحتملة على ارض الواقع من همته و ان وضع اردوغان في زاوية لا يحسد عليها، و يمكن ان يفرض عليه التنازلات المختلفة من اجل نفسه من جهة، و يمكن ان يعود الى المصالحة التي ادعاه من قبل دون اعاقة او عراقيل المتعصبين القوميين كما حصل من قبل من جهة اخرى، ان كان صادق النوايا في هذه الناحية، او اعتقد بان المصالحة تكون لصالحه، و هذا من واجب الكورد ان يثبتوا له ذلك و لم يدعوا ان يختار غير المصالحة باي شكل كان .
و عليه، ليس من الضروري ان يتشائم الكورد كثيرا من نتائج الاستفتاء، و الاحتمال الوارد يمكن ان نقول به رب ضارة نافعة، و ما يمكن ان تفرضه المعادلات والظروف الموضوعية و متطلبات مابعد الاستفتاء من امور مختلفة بان تقع لصالح الكورد و مستقبلهم .