ان كنا نتكلم مع النخبة و من منطلق الفكر التقدمي البعيد عن الموجود حاليا على الارض من الافكار و التوجهات و العقليات و ما فيها من الفلسفات او بالاحرى العقائد البعيدة جدا عن اية فلسفة مناسبة مع العصر و ما وصلنا اليه، و البعد عن التوجه الصحيح و الفكر الانساني الغالب على عقلية النخبة في الكثير من الامم.
رغم تعقيد عملية حساب الانصاف وفق المقاييس او العمل على اجبار الذات على الطريق الحياد في التقييم للاخر المقابل و بعيد عن الحكم و الخصم, فان النخبة الحقيقية هي التي تصل الى مكانة عالية من العقلية و ارفع من المثبطات الفرعية الصغيرة الكثيرة من الامور الحياتية او تفرضنفسها علينا من المفاهيم التي لا يمكن ان يصل اي منا الى النخبوية ان لم يتحرر منها، و منهاالالتزام بالخلفيات التي نفد تاريخ صلاحياتها و العقائد التي انتهت فعالياتها مع عبور العصور و الحقبات الخاصة بها رغم التراجع او التزام البعض بها لحد اليوم.
ان اكتمل اي مثقف من امكانياته و زاد من قدرته من اجل استيعاب او امتلاك الشروط الواقعية للوصول النخبوية في التفكير و العمل و الموقف، و هو موجود على ارضية لاتساعده على الانتقالة المطلوبة، فانه يصطدم بعوائق يمكن ان يمحيها ان فرض ارادته رغم ضغوطات الخلفية الاجتماعية و التاريخية التي تلتصق به.
اننا جميعا ابن هذا الواقع و الخلفية التي نحملها لا يمكن ان لا تكون متقاربة بشكل كبير، و لا يمكن الخروج من سطوة افرازاتها السلبية الا بالتسامي و الخروج من قوقعة القوالب الدينية و الايديولوجية و الموروثات التاريخية و الترسبات التي اصبحت جبلا من العوائق امام النخبة، و هي اصبحت جبلا و اعاقها في قطع طريقها نحو الاعتلاء على عرش النظرة الانسانية نحو الاخر مهما كانت جبلتها و سماتها و ما حملت هذه الخبة من الخصائص المختلفة من جهة، او نحو الاخر النخبوي من الجهة الاخرى مهما كان موقعه او مميزاته.
من هذا المنطلق النابع من النظرة الى الاخر كانسان بمعنى الكلمة فقط و ليس من جزئياته الفكرية العقلية التي افرزته الايام و بعيدا عن خلفياته و سماته. هل يمكن ان نقدم النخبة التابعة للامم السائدة التي كانت دوما تنظر باستعلاء للاخر المهمش و الاطراف او الاقليات من قبل الاكثرية مهما كان نوعها، على انهم مهما كانت ثقافتهم او مستوى عقليتهم العالمي النظرة و التفكير لا يعتبرون من النخبة التي يمكن التعامل معهم من تلك النظرة.
فالعرب, و النخبة المثقفة منهم بشكل خاص و بنسبتهم النادرة رضخوا بارادتهم او عنوة تحت تاثيرات العوامل المسيطرة على عقل الجمع او المجتمع و هم منهم, و هنا لا نريد ان نتلكم بشكل مطلق فهناك من وجود نسبة قد وصلت لحد الخروج من دائرة ما رسبه التاريخ و الجغرافيا و السياسة و الحضارات المؤثرة على المنطقة مع الاساطير و الخرافات المتعمقة فى ذهنيته دون ان يعلم.
الكورد و هو بكثر ما يحوي على تلك العقليات التي يمكن ان نقول بان النخبوية اصبحت عملة نادرة جدا لاسباب موضوعية و ذاتية ايضا، و لم نظلم احد لو قلنا ان الاخر هو السبب اكثر من الذات، لان الدولة اصبحت عاملا هاما و حاسما في تحرير العقول من ترسبات العصور الساحقة الغابرة التي وصلت و تعالت منحنياتها و تراجعت بين حقبة و اخرى فافرزت بذلك ما ابعدت النخب دون اي تسمية عرقية او اية خلفية عن التكاثر او ازدياد و انخفضت نسبتهم بشكل كبير جدا.
الاخر العربي النخبوي العقل و السلوك و التعامل مع الاخر مهما كان شكله و نسَبه و فكره و عقليته او مع الاخر النخبوي، لازال في طور التكوين الذي يحاول الخروج من المحيط المثبط لمحاولته القفز على العوائق المتراكمةمة امامه و يمنعه من الوصول الى الانسانية.
لا نريد هنا ان نعرّف النخبة الا ان المثقف خارج كل دائرة ضيقة من الفكر و العقيدة و الدين و العرق و الطبقة هو نخبوي على ارض الواقع مهما كانت مكانته او موقعه المختلف الشكل. تعامل النخبوي مع الموجود من المواضيع المصيرية اصبح امام التساؤلات الكثيرة, فهل ينظر الى الحياة من نافذة الواقع الموجود فيه ام من مظوره الفكري و العقلية التي يؤمن بما فيها، و لقياس وجود النسبة و مداها او حجمها, لابد ان نتذكر المواقف الانسانية التي كان من المفروض للنخبة ان تكون له كلمة فيها، سواء عمليا او ببيان رأي او حتى الخوض في عملية امكان التاثير على الاخرين و ان كانوا غير نخبويين في بيان جوانب الموضع الذي يؤمن بانه يستحق الموقف الحاسم، و اننا عندما نرى المؤسسات الرسمية العراقية و نقارن الماضي حتى القريب و مواقف النخبة في ايامهم و ما الموجودن اليوم و اكثيرتهم مبتعدين عن امكنية توضيح مواقفهم او ايصالها الى الموقع المعني، فاننا نتشائم كثيرا لما نراه من التراجع غير المعقول، و هذا لا ينطبق على العرب السائد فقط ان كانت التسمية من اجل بيان سيادتهم في العراق بشكل خاص و المنطقة بشكل عام، و انما على الكورد ايضا و كيف غاصوا في وحل التخلف و لم يصلوا الى مستوى يمكن ان ينظروا الى الاخر انسانيا سواء نتيجة الحيف الذي لحق بهم او تدني مستوى ثقافتهم و ما عرقلتهم من المعوقات المتتالية طوال تاريخهم من جهة و من ثم عدم تلقيهم من العوامل و ما يدعهم الى تراجع في تشددهم و نظرتهم تجاه الاخر بشكل غير معقول من التخلف و ما اغرقهم من التطرف و التشدد.
السؤال الاهم هنا، هل يمن الخروج من هذه الحالة البائسة مما نراه من عدم وجود النخبة او النسبة الكافية لايصال رايهم و مواقفهم و يمكن امتداد هذا لعقود او ربما مدد طويلة اخرى، فكيف يمكن الحل, لما لها من العلاقة مع الوضع السياسي الاقتصادي و الظروف الموضوعية في العراق او المنطقة و الخاصة بكل مكون و هو على الخصوصية التي هو فيها.
عتبي على نخبة النخبة التي لها القدرة على تغيير التاريخ, و لم نر منها لحد اليوم نتاج او جهد لتغيير الواقع الموجود، و هنا اقصد عبور الخصوصيات المعيقة لاستيعاب العقلية الانسانية لدى الشعوب العراقية برمتها او المنطقة بشكل اعم، و هنا يهمني هذه الدولة التي لم تدوم على فترة من عصورها المزدهرة الا قليا جدا و استمرت في النكبات و الكرب و الويلات لعصور طويلة.
و هنا يمكن ان نسأل، لماذا التعلق بامور سياسية ايديولوجية اكثر من الاهتمام بمواضيع اكثر اهمية و تدخل في خانة الدوافع نحو العقلية الانسانية و بما يفك الاغلال السياسية التي ربطت معاصم النخبة قبل البسطاء من الشعب، من حيث التعاون و العمل المشترك الذي تحتاج النخبة اليها اكثر من غيرهم.
لماذا تلتزم هذه النخبة في قرارة نفسها و ان لم تؤمن به من الالتزام بما فرضته السياسات و الترسبات من الماضي المتعلق بهم او التي تحجب نظرتهم الى الاخر من منظور لا يغطيه الا العقلية الانسانية فقط . و منهم من يعلن هذا الالتزام علنا و منهم يتعلق به عمليا وا ن ينكره، و منهم من لا يؤمن به و فرضته مصالحه على الالتزام و هذه النسبة من الاكثرية.
اذاً ما الحل في هذا الواقع و ماموجود، فهل يترك الامر للزمن و ما يفعله، ام النخبة هي الطليعة في كل تغيير و لابد ان تتلفى ارضية متجسدة اليوم كان ام غدا لاعادة مسار السكة من كافة جوانبه. و الاهم ان نعلم بان التغيير الذي يحصل على ايدي النخبة هو المترسخ و الاصح و بعيد عن الشعبوية التي تتكلم بمثاليات و هي التي تدفع الى الغوص في الجزئيات التي تمنع التقدم او ترسيخ العقلية الانسانية في هذه المنطقة .