في حرب الحضارات

هل تكون المراة ارملة الثقافة ؟ !

كازيوه صالح*

 

       يكثر الحديث في الاونة الاخيرة عن صراع الحضارات وترتفع في الوقت نفسه اصوات تدعو الى الديمقراطية وحماية حقوق الانسان في العالم والعولمة . والى حوار الحضارات وليس صراع الحضارات . وفي بحر ذلك الجدلية يتضح لنا ان انصار الدفاع عن حقوق المراة ايضا قد ازدادعددهم و خصوصا المراءة الكردية  بعد ان حققت بعضا من طموحاتها التي كانت تناضل من اجلها .

       لست الان بصدد الحديث عن مفاهيم صراع الحضارات او العولمة ومدى اهتمام الشعب الكردي بها , بل ما اود قوله هو اننا وعلى الرغم من عصر التقدم التكنلوجي والعلم وحوار الحضارات , فان المراة لا تزال حتى يومنا هذا محرومة من الكثير من حقوقها الانسانية والثقافية والفكرية .

        كيف لها ان تنادي بالمساواة وهي على هذه الحال من الاسيلاب والعسف والاستغلال , فالمساواة كما هو معلوم يجب ان ترتكز على وعي بضرورتها , واذ حظيت المراءة بمستوى معين من الثقافة والوعي فان ذلك يمكن ان يكون بمثابة تهيئة الارضية المناسبة للدخول في معترك النضال من اجلها .

      ولنا ان نتساءل كيف للمراءة ان تطور ثقافتها وتخوض النضال وهي حبيسة رقعة معينة جغرافيا وفكريا وقوميا , وهذا اذا لم نقل حبيسة الدار , حتى انها لا تستطيع ان تعرف ما يدور خارج حدودها , اليس المطلوب من المراءة الكردية والمراءة العربية متابعة ورصد النشاطات الفكرية والثقافية والسياسية والاجتماعية , فضلا عن الاطلاع والتعرف على الموروث الحضاري لبعض او لكل شعوب وقوميات الدول المجاورة.

     فمثل هذه المعرفة والاطلاع من شانهما اقامة صداقات وتعميق علاقات وتبادل اراء وتجارب في شتى الميادين وصولا الى تلاق فكري وفني وثقافي.

            ويقع على عاتق النساء في هذه المرحلة ايجاد خطاب موحد خارج التباينات الفكرية والقومية, وتجاوز التميز بسبب اللون او الجنس او القومية . فللنساء قضية واحدة اينما وجدن , وهذا ما يدعونا الى ان نتساءل : لماذا غياب التعارف والابتعاد عن بعضنا طالما ان المشاكل والمعضلات التي تواجهنا من شانها ان توحدنا وتزيد من فرص اللقاء والتلاحم . ولا بد من الادراك جيدا بانه , في ظل هذه المعاناة والعذابات التي نشهدها , ليس هناك من يعيننا وينتشلنا مما نحن فيه سوى انفسنا , وهذا لا يعني  اقفال الابواب في وجه الرجال اذا احبوا ان يقدموا لنا يد العون والمناصرة . لكن الزمن يمضي سريعا وعلينا ان نلحق بالركب ونبادر ونمد الجسور من اجل خلاصنا ومن اجل حوار هادف وبناء يتمخض عن كل ما هو ايجابي ومشرف ومضئ لمصلحة المراءة والمجتمع.

       نحن كمراءة كردية نمد يد المصافحة والتعاون والتعارف مع المراءة بشكل العام والمراءة العربية بالاخص , لطالما كانت لنا علاقاتنا التاريخية التي تربطنا ببعض  منذ ايام الفتح الاسلامي الى يومنا هذا , كي نمد جسور تلك العلاقات والروابط الثقافية الانسانية .

       ولا بد ان يكون لنا دور فاعل ومؤثر بعضنا مع بعضنا الاخر , لكى لا نكون هامشيين في الحضارة القادمة .

        يقول البروفيسور صاموئيل هانتيغتن في عام 1993 بانه اذا وقعت حرب في المستقبل فلا شك ستكون حرب الحضارات . هذا في حين ان المراءة لم تكن بعيدة عن ويلات ماسي جميع الحروب التي اندلعت وعاني الناس منها ما عانوا وبدرجة خاصة النساء . فكم منهن ترملن او اكتوين بنار الحروب بسبب غياب واستشهاد ابناء واقرباء ,بل ما اكثر ما تشردن بسبب هذه الحروب .  ولكن ها نحن قد وصلنا الى مرحلة حرب الحضارات , والمراءة في الشرق الاوسط عموما لا تزال في بداية الطريق , وما تزال في بداية المشوار , وجسور التعارف  ضعيفة وهزيلة , وافساح الفرص لها من اجل اثبات قدراتها الثقافية محدودة  , وهذا بدوره ينعكس على تخلخل القوة الثقافية المنشودة التي يراد منها الوقوف بوجه ما يجعل من المراءة عنصرا هامشيا وثانويا.

       واذا رضينا بهذه الفجوة الكبيرة والبعيدة عن الادراك العقلاني نضطر ان نقول : ان المراءة في المعركة القادمة ايضا ستكون ارملة  ولكن هذه المرة ارملة الثقافة.

 

 

 

* هذه المقالة منشورة فى جريدة المستقبل /عدد 946/اللبنان...وجريدة (عربية ) التى تصدر في كندا